على تلةٍ كانت تنبض بالحياة، تقف شجرة يمنية عتيقة، جذورها تمتد في عمق الأرض، شاهدةً على أزمنة من العطاء. كانت أوراقها تراقص الريح، ومظلتها تحتضن الأطفال، والمزارعين يعملون بجوارها بفرح، لكن اليوم… لم يعد المشهد كما كان. الجفاف ينهش جذورها، والمطر يأتي بعنف ليجرف الأرض أو لا يأتي أبدًا. صارت الشجرة تئن بصمت، تنتظر رحمة السماء.
إنقاذ اليمن لم يعد خيارًا، بل ضرورة. البيئة تصرخ، ونحن وحدنا القادرون على إسكات نحيبها. هل سنتركها تموت… أم سنعيد لها الحياة؟ وكيف يمكننا حماية اليمن؟
“أنا شجرة يمنية. جذوري تمتد في هذا التراب الطيب، وأنا هنا منذ أجيال. كنت أرى الأطفال يركضون تحت ظلي، والمطر يغسل الأرض بأمل الحياة، لكن اليوم… أشعر أنني أختنق.”
قبل سنوات، كانت هذه الأرض ملاذًا للحياة. الأمطار تأتي في مواسمها، تروي المزارع، وتملأ الوديان، لكن التغيرات المناخية قلبت الموازين. أصبح الجفاف متوحشًا، والفيضانات تأتي فجأة، تمحو الأخضر وتترك الأرض جرداء. الشجرة لم تعد وحدها في معاناتها؛ المزارعون أيضًا يدفعون الثمن.
“حين يخذلك المطر…”
علي أحمد، مزارع في منتصف الأربعينات، يقف أمام أرضه التي تحولت إلى تشققات عطشى. يقول وهو يتأمل حقله الفارغ: “قبل خمس سنوات، كانت المواسم خصبة. أما اليوم، فنزرع القليل، والمطر يأتي متأخرًا أو لا يأتي. الفيضانات عندما تضرب، تجرف التربة والمحاصيل معًا. صرنا نعيش في دوامة من الخسارة.”
أما فاطمة سعيد، التي كانت تعتمد على الزراعة لتربية أطفالها، فقدت منزلها بسبب الفيضانات العنيفة. “كان منزلي هنا، على هذه الأرض، لكنه اختفى تحت سيل من الطين والماء. الآن، أعيش في خيمة مع أطفالي، ولا أدري ماذا يحمل لنا الغد.”
ربما لا تستطيع الأشجار أن تصرخ، لكنها تهمس لنا بنداء لا يحتمل التأجيل: “احموني… لتحموا أنفسكم.”
“الأرض تحتضر… ونحن معها”
اليمن يواجه أزمة مناخية خانقة. درجات الحرارة ارتفعت بمقدار 1.5 درجة مئوية خلال السنوات الأخيرة، مما زاد من الجفاف والتصحر. تشير الدراسات إلى أن 75% من الأراضي اليمنية مهددة بالتصحر، مما يهدد الأمن الغذائي لملايين السكان. الفيضانات العنيفة دمرت آلاف الهكتارات الزراعية، وجرفت المنازل والحقول، بينما الاحتطاب الجائر يستنزف ما تبقى من الأشجار.
يقول الباحث في الشؤون المناخية، إسماعيل قاسم: “الزراعة في اليمن تواجه خطرًا حقيقيًا بسبب التغيرات المناخية. عدم انتظام الأمطار، فقدان المياه الجوفية، وارتفاع درجات الحرارة كلها عوامل تهدد حياة المزارعين ومصدر رزقهم.”
لكن رغم الأزمة، هناك حلول. يشير الباحث إلى ضرورة تبني زراعات تتحمل الحرارة والجفاف، وترشيد استهلاك المياه، واعتماد طرق ري حديثة. كما أن المبادرات البيئية باتت ضرورية لحماية ما تبقى من المساحات الخضراء.
مشاكل بيئية بارزة في اليمن وحلول مقترحة
“الأمل ينبت من بين الجفاف”
وسط هذه التحديات، هناك من يقاوم. في مختلف المناطق، تنطلق مبادرات بيئية تهدف إلى إعادة إحياء الطبيعة، عبر زراعة الأشجار ومكافحة التصحر. شباب متطوعون يغرسون الشتلات، ونساء يسقين النباتات بحب، وكأنهم يعيدون بناء الأمل من تحت الركام.
“أنا لست وحدي… هناك أيدٍ تمتد لإنقاذ الأرض. كل شجرة تُزرع، كل قطرة ماء نحافظ عليها، هي خطوة نحو إنقاذ اليمن من مستقبله القاحل. يا أهل اليمن، لا تدعوا الأرض تبكي وحدها.”
إنقاذ اليمن لم يعد خيارًا، بل ضرورة. البيئة تصرخ، ونحن وحدنا القادرون على إسكات نحيبها. هل سنتركها تموت… أم سنعيد لها الحياة؟ وكيف يمكننا حماية اليمن؟
في ظل هذه الأزمة، ما الذي يمكن فعله لإنقاذ الأرض وحماية مستقبل الأجيال القادمة؟ وفقًا لخبراء البيئة والمناخ، هناك خطوات ضرورية يجب اتخاذها قبل فوات الأوان:
- تقليل الاعتماد على الحطب كوقود والتحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة، مثل الطاقة الشمسية والغاز، لحماية الأشجار ومنع التصحر
- إطلاق حملات تشجير واسعة في المناطق الجافة، والحفاظ على المناطق الخضراء المتبقية، فكل شجرة تُزرع هي درع يحمي الأرض.
- تبني أساليب الزراعة المستدامة التي تحافظ على خصوبة التربة، وتقلل استهلاك المياه، وتحمي المحاصيل من آثار المناخ المتغير.
- توسيع مشاريع إدارة المياه من خلال الحصاد المائي، وتقنيات الري الحديثة، لضمان توفير المياه للزراعة والحياة اليومية.
- تعزيز التعاون الدولي مع المنظمات البيئية والإنسانية لدعم اليمن في مواجهة التغيرات المناخية، وتوفير حلول مستدامة للأزمة.
ربما لا تستطيع الأشجار أن تصرخ، لكنها تهمس لنا بنداء لا يحتمل التأجيل: “احموني… لتحموا أنفسكم.”