“لا تأثير على طبقة الأوزون ولا احتباس حراري في اليمن” … ما الحقيقة؟

أصوات خضراء - مازن فارس

في الوقت الذي يواجه اليمن مناخًا متطرفًا وارتفاعًا متزايدًا في درجات الحرارة، خرج رئيس ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى” التابع لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، مهدي المشاط، بتصريح ادّعى فيه أن “اليمن ليس لديه تأثير على طبقة الأوزون، وليس لديه احتباس حراري”.

هذا التصريح جاء خلال اجتماع عقده المشاط مع قيادة وزارة الزراعة والري في 19 مايو/أيار الماضي، لمناقشة ما أسمته وكالة سبأ بنسختها في صنعاء “تحديد أصناف المبيدات المسموح بها للاستخدام الزراعي”.

قال المشاط، إنّ “شحنة مبيد بروميد الميثيل الزراعي، التي أفرجت عنها الجمارك، كان العالم يستخدمها في فترات سابقة، قبل أن تقرر الشركة المنتجة التخلص منها، نظرًا لبروتوكول في أوروبا يقول إن له تأثير على طبقة الأوزون”.

خلال الفترة 2021 – 2023   أفرجت وزارة الزراعة في صنعاء عن أربع شحنات من مبيد بروميد الميثيل بعد احتجازه من قبل الجمارك لكونها “محضورة وسامة”.

وادعّى المشاط أن إمكانية استخدام المبيد يرجع إلى أنه “لا يوجد مشكلة على طبقة الأوزون من اليمن ولا يوجد لدينا احتباس حراري”.

وزعم أن ربط المبيدات (بشكل عام) بالإصابة بأمراض السرطان “هراء وأكاذيب لا أساس لها من الصحة”، حد وصفه.

منذ نحو تسعة أعوام يدور صراع في اليمن الأمر الذي أثر سلبًا على اللوائح البيئية وإنفاذها.

 

“بروميد الميثيل”

تتبعت منصة “أصوات خضراء” ما جاء في تصريح المشاط وتوصلت إلى أنه تضمن ادعاءات غير صحيحة.  إذ تبين أن بروميد الميثيل له مخاطر صحية وبيئية وله تأثيرات على طبقة الأوزون. كما أن اليمن متأثر بظاهرة الاحتباس الحراري.

بالنظر إلى بروميد الميثيل المعروف أيضًا باسم “بروموميثان“، نجد أنه يعد ضمن مبيدات الآفات والمواد الكيميائية الصناعية المحظورة أو المقيدة بشدة لأسباب صحية أو بيئية، بحسب لجنة استعراض المواد الكيميائية التابعة لاتفاقية روتردام في اجتماعها الأول عام 2005. وفي الاجتماع الثامن عشر للجنة ذاتها، أوصت بإدراج المبيد في المرفق الثالث لاتفاقية روتردام، بسبب طبيعته الخطرة.

اتفاقية روتردام هي معاهدة متعددة الأطراف تهدف إلى تعزيز المسؤوليات المشتركة فيما يتعلق باستيراد المواد الكيميائية الخطرة. وانضم اليها اليمن عام 2006.

يُستخدم بروميد الميثيل لتبخير التربة قبل الزراعة ولمعالجة ما بعد الحصاد والتبخير الهيكلي، وتمت إضافته إلى بروتوكول مونتريال في عام 1992 بسبب خصائصه المستنفدة للأوزون.

لا يقتصر البرتوكول على أوروبا فقط كما جاء في ادعاء المشاط، وإنما هو اتفاقية عالمية تم التصديق عليها من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 197 دولة وانضم إليها اليمن في 1996م.

تصف وكالة حماية البيئة الأمريكية هذا المبيد بأنه مادة مستنفدة للأوزون من “الفئة الأولى” وبالتالي يسمح بزيادة الأشعة فوق البنفسجية للوصول إلى سطح الأرض والتي تؤدي إلى سرطان الجلد.

بموجب بروتوكول مونتريال فإنه على الرغم من استخدام بروميد الميثيل كان مقصورًا على استخدامات الحجر الصحي ومعالجات ما قبل الشحن، فإن حجم التجارة في المادة الكيميائية يثير شواغل وهناك حاجة إلى ضمان عدم استمرار استخدامه كمبيد للآفات.

ونظرًا لمخاطر هذا المبيد تخلصت منه دول مثل كوستاريكا و الولايات المتحدة الأمريكية ، فيما بعض البلدان مثل هولندا وكولومبيا وأستراليا، حظرت جميع استخداماته، بخلاف تطبيقات الحجر الصحي ومعالجات ما قبل الشحن.

في الشرق الأوسط، أيضًا، شهد هذا المبيد استهلاكًا واسعًا قبل أن تتجه بعض الدول لحظره والتخلص منه تدريجيًا. ففي عام 2013 تصدر اليمن قائمة الدول الأكثر استهلاكًا لبروميد الميثيل في الشرق الأوسط بواقع 11 طنًا متريًا، بعد أن كان الاستهلاك 27 طنًا متريًا في عام 1991.

اعتبارًا من عام 2014، كانت المملكة العربية السعودية الأكثر استهلاكًا لبروميد الميثيل، والتي كانت من بين أعلى 5 دول في العالم من حيث الاستهلاك. ومع ذلك، فإن العديد من بلدان الشرق الأوسط، مثل لبنان وتركيا، قد تخلصت منه تمامًا بحلول عام 2013.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) إنها نفذت منذ عام 1996  ما مجموعه 175 مشروعًا في 55 بلدًا ناميًا للتخلص من أكثر من 8000 طن متري من بروميد الميثيل، وهو ما يمثل 70 في المائة من إجمالي التخلص التدريجي من هذه المادة الكيميائية في البلدان النامية.

 

المبيدات والسرطان

أما بالنسبة لادعاء المشاط بأن المبيدات لا علاقة لها بأمراض السرطان، نجد أنه كاذبًا. كما نلحظ وجود تناقضًا بين تصريحه والوثائق الرسمية الصادرة عن وزارة الزراعة التي تديرها جماعة الحوثي، إذ تكشف عن زيادة إصابات مرض السرطان بسبب الإفراط في استخدام المبيدات الزراعية.

تذكر إحدى الوثائق الصادرة أواخر فبراير/شباط الماضي، أنه “جرى استيراد 14.5 مليون لتر من المبيدات خلال عام 2023”.

من الناحية العلمية، يوجد هناك عدة مبيدات حشرية ومبيدات أعشاب تسبب الإصابة بالسرطان للبشر، بحسب الوكالة الدولية لأبحاث السرطان والتي تُصنف أيضًا، مبيد بروميد الميثيل بأنه مادة مسرطنة تندرج ضمن المجموعة الثالثة. فيما يصنفه الاتحاد الأوروبي بأنه غاز مضغوط ذات سمية حادة من الفئة الثالثة.

بالنسبة للجنة الخدمة الدولية التابعة للأمم المتحدة، فإن مبيد بروميد الميثيل شديد السمية للبشر، وينطوي على مخاطر محتملة عالية لإحداث تسمم حاد عن طريق الاستنشاق والامتصاص من خلال الجلد والأغشية المخاطية، ويؤدي التعرض طويل الأمد “إلى احتقان الرئة وتأثيرات على الجهاز العصبي المركزي وآفات الكلى والكبد”.

 

الاحتباس والأوزون

ادعاء المشاط بشأن عدم تأثير اليمن على طبقة الأوزون وخلوه من الاحتباس الحراري، كذلك، غير صحيح. من خلال البحث باستخدام المصادر المفتوحة نجد أنّ التقارير العلمية تؤكد أن طبقة الأوزون تتأثر بعدة عوامل أبرزها “المواد المستنفدة للأوزون، الإشعاع فوق البنفسجي والاحتباس الحراري“، والتأثير لا يقتصر على دولة أو بلد بعينها طالما وأن الأوزون جزء من الغلاف الجوي لكوكب الأرض.

يقول الدكتور عبدالقادر الخراز، أستاذ تقييم الأثر البيئي المشارك بكلية علوم البحار والبيئة بجامعة الحديدة، لمنصة أصوات خضراء، إن “اليمن لديه احتباس حراري وأكثر من ظاهرة من التغير المناخي”.

وشهد اليمن في السنوات العشر الأخيرة ارتفاعا في درجات الحرارة نتيجة زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة. إذ تشـير بيانات صـندوق النقد الدولي إلى أن اليمن أظهرت اتجاها تصاعديا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حيث ارتفعت من 17.36 مليون طن متري 11 منذ العام 1990من مكافئ ثاني أكسيد الكربون إلى 31.14 مليون طن متري عام 2020.

ويعد “بروميد الميثيل” أحد الغازات التي تؤثر على طبقة الأوزون وبالتالي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، وفق الخراز، مشيرًا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير اعتيادي – حاليًا-  في المناطق الساحلية والصحراوية ناتج عن الاحتباس “ما ينعكس في ارتفاع درجة حرارة سطح الماء أو البحر وبالذات في المحيطات ما يؤدي إلى تغير الحالات المدارية”.

في الأعوام الأخيرة تكررت الظواهر المناخية المتطرفة في اليمن، مثل الأعاصير، بشكل متزايد. ففي خلال الفترة 2015 – 2023 ضربت البلد خمسة أعاصير.

ويرى الخراز وهو رئيس سابق لهيئة حماية البيئة اليمنية، ادعاءات المشاط، بأنها ناتج “عن عدم معرفة بقضية الاحتباس الحراري ومحاولة للتضليل بمصطلحات غير علمية” مؤكدًا أن اليمن من أكثر الدول المتأثرة بقضايا التغيير المناخي ومن بينها الاحتباس.

 

اقرأ أيضاً