في يومها العالمي.. هكذا تبدو البيئة في اليمن!

أصوات خضراء-وهب العواضي

 

تتفاوت المشاكل البيئية بين بلدان العالم وفقًا لمدى استجابة الأنظمة لمعالجتها، لكن في اليمن لاتزال العديد من المشاكل تتجذر وتؤرق معها السكان خاصةً في ظل إهمال السلطات الحكومية في التعامل معها ووضع معالجات شاملة ومستدامة، وكذلك استمرار الأنشطة البشرية المضرة بالبيئة وتطرف التغيرات المناخية.

أزمة المياه تتصدر أبرز المشاكل التي تواجهها البلاد، ثم يأتي بعدها تدهور النظم البيئية والتلوث سيما المرتبط بالنفط والأنشطة الأخرى، والصرف الصحي، وتصريف النفايات وصيد الأسماك، وارتفع درجة الحرارة ومستوى سطح البحر، والتصحر، إضافةً إلى العديد من المشاكل والكوارث والتي تساهم في تدهور النظم البيئية بشكل متسارع.

 

”ارتفاع درجة الحرارة اللافت سيما في المناطق الساحلية، وكذلك ارتفاع مستوى سطح البحر والذي سيؤثر بشكل مباشرة على تلك المناطق في البلاد“

يبلغ معدل نصيب الفرد من المياه المتاحة في اليمن ما قيمته 75 مترًا مكعبًا وهذا لا يمثل سوى حوالي واحد في المائة من المتوسط العالمي للفرد (5,925 متر مكعب)

ظواهر متطرفة

 

معظم تلك المشاكل البيئية المذكورة تصنف كظواهر لتغيرات المناخية وهي الأشد تطرفًا في السنوات الأخيرة، ومع تزايد تواتر وحدة تلك المشاكل وتسببها في حدوث فيضانات وصواعق وحالات جفاف متكررة مؤخرًا، إلا أن هناك عجز واضح في مواجهتها، يرافقه إهمال من السلطات، ويغيب مع ذلك الاستراتيجيات الوطنية الرامية للتخفيف من وطأة معاناة السكان وانهيار النظام البيئي، وفق مايراه إستشاري التغيرات المناخية والتقييم البيئي، الدكتور عبدالقادر الخراز.

ويقول في حديثه لـ”أصوات خضراء”، إن لدينا تغيّر في المواسم الزراعية وبالذات في المناطق الجبلية التي تعمتد على المدرجات، وتشتد الأمطار في تلك المناطق، ونتيجة الارتفاعات والانحدارات الشديدة، تتشكل مجاري لهذه الأمطار وتصبح فيضانات تؤدي إلى أضرار كبيرة بالنسبة للأراضي الزراعية والممتلكات.

ويضيف الخراز، بأن هناك ظواهر أخرى لتغيرات المناخ تتعلق بالفيضانات والعواصف والأعاصير، آخرها إعصار تيج، والتي تضرب الأجزاء الشرقية من البلاد خاصةً محافظات، سقطرى والمهرة وحضرموت، ويرافق هذه الأعاصير رياح شديدة وأمطار غزيرة وسيول تتسبب في حدوث أضرار جسمية. تعجز السلطات في مواجهتها إلى الآن أو الاستعداد لها.

ويشير الخراز إلى ارتفاع درجة الحرارة اللافت سيما في المناطق الساحلية، وكذلك ارتفاع مستوى سطح البحر والذي سيؤثر بشكل مباشرة على تلك المناطق في البلاد، مشيرًا إلى ضرورة التكيّف ومقاومة هذه الظواهر إلى جانب تعزيز الوعي المجتمعي بشأنها وتظافر جهود السلطات المركزية والمحلية لمواجهتها.

 

اقرأ/ي أيضاً غضب الطبيعة شرق اليمن.. ماذا فعل إعصار تيج في المهرة وسقطرى؟

التحدي الأكبر

 

من بين جميع المشاكل البيئية تشكل المياه التحدي الأكبر، إذ تعاني البلاد من شحة شديدة في المياه، حيث يبلغ معدل نصيب الفرد من المياه المتاحة ما قيمته 75 مترًا مكعبًا وهذا لا يمثل سوى حوالي واحد في المائة من المتوسط العالمي للفرد (5,925 متر مكعب) و14% من متوسط نصيب الفرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (554 متر مكعب). وفق مايقدر مسؤول ملف المياه في مركز صنعاء للدراسات والأبحاث، مساعد عقلان.

ويوضح لأصوات خضراء، بأن هذا التحدي في أمن المياه ليس فقط نتيجةً لعوامل طبيعية مثل ندرة الموارد المائية والهطول المطري المحدود، بل أيضًا بسبب العوامل البشرية مثل سوء الإدارة والاستخدام غير المستدام والرشيد، وتدهور البنية التحتية جراء الحرب، مشيرًا إلى أن أزمة المياه تؤثر بشكل مباشر على حياة الناس، الصحة العامة، الزراعة، والاقتصاد، سيما وأن اليمن تعد من أكثر البلدان العربية شحة في المياه.

ويرى عقلان بأن الحلول الممكنة للحد من الأزمة تتمثل في تحسين إدارة الموارد المائية والتي تحتاج إلى منظومة متكاملة من الإجراءات أهمها، مراجعة وتطوير السياسات والاستراتيجيات التي تضمن الاستخدام الأمثل والمستدام، ورفع كفاءة الري والحد من اتساع الرقعة الزراعية على حساب المياه الجوفية، وإعادة تأهيل البنية التحتية وتحسين شبكات توزيع المياه، إضافةً إلى استخدام تقنيات حصاد لمياه الأمطار كالمدرجات الزراعية والري السيلي والبرك وغير ذلك.

فيضانات في محافظة المهرة شرق اليمن
فيضانات في محافظة المهرة شرق اليمن

وعن تأثير التغيرات المناخية على موارد المياه في البلاد، يلفت عقلان إلى أن التغيرات المناخية تؤدي إلى تقلبات في أنماط الطقس، مما يؤدي إلى فترات جفاف أطول وأمطار متفاوتة في مناطق غزيرة جدًا بينما في مناطق أخرى أقل. ووفق حديثه، فإن هذه الظواهر أيضًا تعتبر نتيجة مباشرة للتغيرات المناخية التي تؤثر على النظام البيئي بشكل عام.

 

اقرأ/ي أيضاً في اليمن..هل يمكن حصاد المياه من الضباب؟

تلوث بيئي

 

تعد معضلة التلوث كذلك من أبرز المشاكل الضاربة في جذور البيئة اليمنية منذ زمنٍ بعيد، ومع تعاقب السلطات لم يتم وضع حلول حقيقية لمعالجتها وبناء مشاريع أكثر إستدامة. أو إلزام الجهات المتسببة بها بتفادي ذلك، ومخلفات النفط أحد مصادر التلوث، وكذلك الانبعاثات الغازية الناتجة عن المواقع والمؤسسات الصناعية التي لا تستخدم أي طريقة للتخفيف من تلك الانبعاثات.

وإضافةً إلى ذلك، يذهب الخراز للحديث عن المصادر الأخرى للتلوث خاصةً المتعلقة بالنفايات في المدن، ويقول بأنه يتم التخلص من النفايات عن طريق إحراقها وهي طريقة غير صحيحة وغير مقبولة بيئيًا ولا اقتصاديًا، لأنها بلاشك يمكن الاستفادة منها بإعادة تدويرها، لافتًا إلى أن النفايات تختلط بها الكثير من مخلفات المواد الكيميائية ولا يتم عزلها. ما يشكل خطرًا كبيرًا عند حرقها وتلويثها للهواء أو تحللها في التربة وتسربها إلى المياه الجوفية.

ويضيف الخراز أن هناك ضعف كبير في معالجة شبكة الصرف الصحي نتيجة الفساد القائم في الوزارات المعنية رغم تدفق المشاريع التنموية لمعالجة الأمر، لكن دون نتائج. موضحًا أنه عند حدوث الفيضانات تنفجر المجاري وتنتقل إلى الأحياء السكنية والبحر وتعمل على تلويث مياه البحر وتسبب كارثة كبيرة بيئية وصحية بانتقال الأمراض.

وبصورة مؤسفة، تتعرض مياه البحر لكم هائل من التلوث، إما عن طريق دفن النفايات في البحر الأحمر، أو زراعة أطراف الصراع للألغام البحرية، إضافةً إلى غرق سفن تحمل مواد كيميائية وأسمدة خطرة آخرها سفينة “روبيمار” التي استهدفها الحوثيون إثر حملتهم العسكرية ضد السفن في البحر الأحمر، ما يتسبب كل ذلك في تلويث البيئة البحرية الغنية وقتل الأحياء البحرية المتنوعة والنادرة.

 

اقرأ/ي أيضاً كيف تسببت;مياه توتال السوداء; بكارثة بيئية في اليمن؟

اليمن.. متأثر

 

“التغيرات المناخية هي تغيرات طبيعية لكن الأنشطة البشرية ساهمت وفاقمت بظواهر التغيرات المناخية، الظواهر التي كانت تحدث كل مئة سنة أصبحت تحدث الآن في غضون عشر سنوات”، ويستذكر الخراز الفيضانات التي تحدث في بلادنا في الأعوام الأخيرة، وأوشكت بأن تكون شبه سنوية. انتهت بإعصار تيج الذي ضرب المحافظات الشرقية مطلع العام الجاري.

ويعتقد استشاري التغيرات المناخية بأن اليمنيين ليسوا مساهمين في تلك التغيرات إنما متأثرين منها، والمسؤولة هي الدولة الصناعية الكبرى، لكن بكل الأحوال فاقمت من المشاكل البيئية في البلاد منها إضافةً إلى ماسبق، انجراف الأراضي الزاعية، وتدهور كثير من الكائنات الحية والتأثير على النباتات النادرة خاصةً في سقطرى، إذ أدى إعصار “اتشابيلا” إلى اقتلاع الكثير من أشجار دم الأخوين في الجزيرة.

أشجار دم أخوين محطمة جراء الأعاصير
أشجار دم أخوين محطمة جراء الأعاصير

 

استمرار تلك الظواهر وزيادة حدة تأثيرها ناتج عن العجز والفساد والفشل في الكثير من المشاريع التي لم تقم بدور حقيقي وملموس عندما طرأت هذه التغيرات المناخية، بحسب الخراز، وبالتالي تتحمل الدولة مسؤولية ذلك الخلل، وإذا لم يكن هناك تحرك جاد في الحال ستواجه البلاد مشاكل بيئية أكثر بكثير في القادم.

ويرى الخراز أن الحل يكمن في وجود كوادر موهلة في الجهات المسؤولة لعمل المعالجات، وتفعيل المشاريع المستدامة الصديقة للبيئة، وأيضا يجب أن يكون هناك وعي مجتمعي لحماية البيئة وتشكيل ضغط مجتمعي على السلطات والجهات التي تسببت في تلك المشاكل ومحاسبتها. إضافةً إلى العمل على التكيّف من التغيرات، وتشييد حواجز وسدود لتغذية المياه الجوفية، والتشجير الواسع.

 

اقرأ/ي كيف يؤثر تغير المناخ على البيئة وسبل العيش في اليمن؟ باحثة أمريكية تجيب

اقرأ أيضاً