يشكو عصام الحدا، وهو مزارع من محافظة ذمار، الضرر الذي ألحقه الصقيع بمزارع القات التي تملكها أسرته. يتحدث عن تضرر مساحات كبيرة من أشجار القات في أقل من أسبوع نتيجة حدوث موجات برد قاسية للغاية تسببت بإتلاف أغصان القات أو إحراقه تمامًا وهو مازال متصلاً بساق الشجرة.
“في اليوم الأول وفي وضح النهار تعتني بجداول القات وتتفق مع التجار على قطفه بحلول الغد وبيعه لهم، لكن فجأة يأتي صباح اليوم التالي بعد ليلة قاسية وقد أُتلف تمامًا“ قال الحدا لـ “أصوات خضراء” وأضاف بحسرة “هذا الضرر يعود علينا بخسارة مالية كبيرة تتعدى ملايين الريالات“.
على الرغم من سلبيات وآثار مضغ نبتة القات المعروفة، إلا أن أرتباطه بالإنسان اليمني وثيق على المستوى الاجتماعي والاقتصادي في آن، إذ هناك من اعتاده ويرفض الإقلاع ويتخذ منها وسيلة لمجالسة الآخرين، وهناك الكثير من الأسر التي تعتمد عليها كمصدر مدر للدخل وتأمين احتياجات العيش.
البنك الدولي قدر عام 2000م مساحة الأراضي المزروعة بشجرة القات بأنها تجاوزت 100 ألف هكتار، لكن خلال 23 عامًا الماضية، ارتفع ذلك الرقم ليصل إلى الضعف تمامًا وفقًا لتوقعات مراقبين، بينما تقدر منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” التابعة للأمم المتحدة، بأن نسبة زراعة الشجرة تصل إلى 58% من مساحة الأراضي الزراعية في البلاد.
“في بعض الليالي تدهس قساوة البرد أي حلول ممكنة يتخذها المزارع لحماية القات، بوضع أغطية قماشية ثقيلة حول الأشجار لتدفئة أغصان القات أو أساليب التدفئة التقليدية بضخ بخار دافئ على الأغصان عبر أنابيب الغاز الطبيعي”. مزارع قات من ذمار
اقرأ أيضاً
في اليمن..هل يمكن حصاد المياه من الضباب؟
القات والمناخ
في موسم الشتاء الذي يبدأ من شهر اكتوبر وينتهي بحلول شهر مارس من العام التالي، تشهد الأحوال الجوية في اليمن انفخاضًا لدرجة الحرارة وجفاف الهواء وكلما كان الانخفاض أسرع كلما اشتدت موجات البرد محدثةً الصقيع، وتتأثر تبعا لذلك أصنافًا من الأشجار والنباتات وقد تتعرض للموت، بما فيها شجرة القات.
تشهد اليمن أدنى درجات حرارة مسجلة هذا العام، وفق مراكز الأرصاد الجوية. قابله ارتفاع جنوني لكلفة زراعة وشراء القات. محمود صاله، أحد تجار بيع القات في مدينة تعز، يقول إن ذلك يعود بشكل مباشر إلى موجات الصقيع والبرودة العالية.
ويؤكد المُزارع الحدا أن موجات الصقيع شديدة للغاية وغير مسبوقة هذا العام، حتى تكاد وسائل التكيف المتاحة تفشل كما يقول”في بعض الليالي تدهس قساوة البرد أي حلول ممكنة يتخذها المزارع لحماية القات، بوضع أغطية قماشية ثقيلة حول الأشجار لتدفئة أغصان القات أو أساليب التدفئة التقليدية بضخ بخار دافئ على الأغصان عبر أنابيب الغاز الطبيعي”.
الباحث في الشؤون المناخية والأحوال الجوية، اسماعيل قاسم، يقول إن شجرة القات لا تتحمل الانخفاض الكبير لدرجة الحرارة والتعرض لموجات “الصقيع” أو ما يطلق عليه محليًا “الضريب” ما يسبب “تلف” جزئي أو كلي لغصن شجرة القات، خاصةً تلك المزروعة في المرتفعات الجبلية، وهذا الأمر يعني قلة معروض القات في السوق، يقابله ارتفاع في الأسعار.
ويضيف محمود صاله لـ”أصوات خضراء“، بأن البرد شديد هذا العام بخلاف ما سبقه، وأصبح “الروعي” يواجه مشاكل وصعوبة في زراعة كميات كبيرة منه، ومهما استخدم من أسمدة ومبيدات، لا ينمو بالشكل الطبيعي، وهذا تسبب في تراجع وفرته بالسوق وبالتالي زاد الطلب عليه وزاد معه السعر إلى أضعاف، فمثلا الكيس الواحد كان سعره قبل شهر يبلغ ألفين ريالًا أما الآن وصل إلى 6 آلف ريالًا يمنيًا.
يعود اسماعيل ليوضح بأن الأعوام ليست جميعها متشابهة من حيث التأثير في انخفاض درجات الحرارة فهنالك أعوام لا تنخفض درجات الحرارة كثيرًا مثل الأعوام السابقة، إنما في هذا العام كان الانخفاض لافتًا، ومن خلال متابعته ورصده للأحوال الجوية والعوامل المناخية، فقد تبين التطرف الكبير للتغيرات المناخية نتج عنها موجات برد حادة.
جفاف وأزمة مياه
من المعروف أن شجرة القات بحاجة إلى كميات كبيرة من المياه، حيث يحتاج المزارع إلى غمرها أثناء الريء، ومع أزمة المياه التي تعاني منها البلاد من الأساس، فاقمت التغيرات المناخية من شحة وفرتها وصاحب موجات البرد هذا الموسم جفافًا، سبقه تذبذب في كميات هطول الأمطار في موسم الصيف الفائت، ليشكل ذلك عاملاً آخرًا مؤثرًا على زراعة القات.
وفي هذا الصدد، يلفت اسماعيل إلى أن المزارع يعاني من ارتفاع تكاليف ري شجرة القات بسبب قلة توفر المياه نتيجة الجفاف الذي ارتفع مستوياته هذا العام، بالإضافة لعدم هطول الأمطار في هذا الفصل، مايعني بأن تدفق القات يكون ضعيفًا إلى الأسواق وبالتالي يرتفع ثمن شرائه.
محمود أيضًا يتفق معه بأن المياه سببًا إضافيًا لارتفاع أسعار القات، ويقول بأن زراعته تحتاج لكميات كبيرة من المياه خصوصًا الأصناف الثمينة والمشهورة من القات المناطقي، كالماوية والدمنة ورداع وأرحب وصنعاء، مشيرًا إلى أنه يتم ريه عبر مضخات الآبار الإرتوازية، ومع حالة الجفاف لا تكفي المياه المتوفرة لزارعة مساحات واسعة من القات.
مستقبل قاتم
بالحديث عن مستقبل شجرة القات وظروف زراعتها في ظل التغيرات المناخية المتطرفة، يعتقد اسماعيل بأن زارعتها ورعايتها أصبح مكلفًا بشكل لا يتناسب مع قدرات المزارعين، وبذلك أصبحت نتائج حصد مبيعات القات، أقل من كلفة زراعته؛ نتيجة تغير المناخ المؤثر جذريًا على كميات المياه المطلوبة للريء وكذلك برودة الجو والتسبب بتلف النبتة.
ويذهب اسماعيل لذكر عوامل أخرى قد تؤدي إلى تراجع زراعة القات لاحقًا، كارتفاع أسعار الوقود المستخدمة في تشغيل مضخات آبار المياه الجوفية وارتفاع أسعار الطاقة البديلة أيضًا، بالإضافة إلى أن القات ليس منتج يمكن تصديره إلى الخارج ليعود للبلاد بمصادر دخل من العملة الصعبة مثلاً.
وفي هذا الحال، يرى الرجل الأفضلية في استبدال زراعة القات بزراعة أشجار أخرى على سبيل ذكره، “شجرة الزيتون”، لافتًا إلى أن زراعة الزيتون في المناطق الباردة باليمن ممكنًا، لأنها تتحمل درجات الحرارة المنخفضة تحت الصفر أو المرتفعة بحدود 40 درجة مئوية، وكذلك لا تحتاج لكميات وافرة من المياه كالقات، إضافةً إلى الزيت المستخرج من ثمارها يتزايد الطلب عليه عالميًا ويمكن تصديره والاستفادة من الاسثمار في زراعة الشجرة.
اقرأ أيضاً