توصلت دول الشمال والجنوب إلى اتفاق بشأن صندوق الخسائر والأضرار، بما يمهد الطريق لأن يصبح هذا الصندوق واقعا حقيقيا رغم الشكوك التي طرحتها منظمات المجتمع المدني.
في اجتماع استضافته العاصمة الإماراتية أبوظبي، توصلت اللجنة الانتقالية المعنية بصندوق الخسائر والأضرار، إلى اتفاق تضمن توصيات واضحة وحاسمة لتفعيل الصندوق وترتيبات تمويله، ما يُمهد الطريق لإنجاز اتفاق بشأنه في دبي خلال COP28، ومن ثم تفعيله وتشغيله بحلول عام 2024.
تشكلت اللجنة الانتقالية المعنية بصندوق الخسائر والأضرار عقب القرار التاريخي للأطراف في مؤتمر شرم الشيخ COP27 في مصر، بشأن إنشاء صندوق للتعويض عن “الخسائر والأضرار” في الدول النامية التي تتحمل تبعات تغير المناخ.
وكلفت الأطراف اللجنة، المكونة من 24 عضوًا، بمهمة تحديد الشكل الذي ينبغي أن يبدو عليه صندوق الخسائر والأضرار الجديد لضحايا المناخ، وتقديم مقترحاتها إلى COP28 في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
عقدت اللجنة 4 اجتماعات هذا العام، لكنها لم تنجح في حل الانقسامات العميقة بين الدول المتقدمة والنامية بشأن الصندوق إلا في الاجتماع الخامس، الذي دعا إليه الدكتور سلطان الجابر.
تفاصيل صندوق الخسائر والأضرار
اختتمت اللجنة اجتماعها الخامس في أبوظبي، في الفترة من 3 إلى 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بنجاح، وأصدرت مذكرة بالتوصيات التي ستقدم لمؤتمر الأطراف، اطلعت عليها «العين الإخبارية»، بشأن تفعيل ترتيبات التمويل الجديدة، بما في ذلك الصندوق، للاستجابة للخسائر والأضرار.
وأقرت اللجنة أن الغرض من الصندوق هو مساعدة البلدان النامية المعرضة بشكل خاص للآثار الضارة لتغير المناخ في الاستجابة للخسائر والأضرار الاقتصادية وغير الاقتصادية المرتبطة بالآثار الضارة لتغير المناخ، بما في ذلك الظواهر الجوية المتطرفة وأحداث الطقس بطيئة الظهور.
وسيوفر الصندوق التمويل لمعالجة مجموعة متنوعة من التحديات المرتبطة بالآثار الضارة لتغير المناخ، مثل حالات الطوارئ المتعلقة بالمناخ، وارتفاع مستوى سطح البحر، والنزوح، وإعادة التوطين، والهجرة، وعدم كفاية المعلومات والبيانات المناخية، والحاجة إلى إعادة الإعمار والتعافي بعد الكوارث المناخية.
ودعت اللجنة في توصياتها إلى تفعيل الصندوق باعتباره صندوقًا ماليًا وسيطًا يستضيفه البنك الدولي لفترة مؤقتة مدتها 4 سنوات تبدأ من دورات مؤتمر الأطراف، على أن تتم خدمة الصندوق من خلال أمانة جديدة ومخصصة ومستقلة يستضيفها البنك الدولي.
كانت قضية استضافة البنك الدولي لمقر الصندوق مثار خلاف بين الدول المتقدمة والنامية خلال اجتماعات اللجنة طوال العام الماضي.
وأصرت الدول المتقدمة، بقيادة الولايات المتحدة، على ضرورة إنشاء الصندوق الجديد تحت إشراف البنك الدولي، باعتباره وسيطا ماليا مستضافا، بينما رفضت الدول النامية الاقتراح بالإجماع.
قدمت اللجنة في ختام اجتماعها الرابع 4 اقتراحات، بينهما اقتراح استضافة البنك الدولي لمقر الصندوق بشكل مؤقت، كحل وسط وتوافقي، وهو ما تم اعتماده بالفعل في مذكرة التوصيات النهائية للجنة.
لطمأنة الدول النامية، قالت اللجنة إن الصندوق سيكون مسؤولاً ويعمل تحت توجيهات مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية، ومؤتمر الأطراف العامل كاجتماع للأطراف في اتفاق باريس.
تكاليف التكيف تزيد بما لا يقل عن 50% مما كان متوقعا”بيان أممي”
مجلس الإدارة
سيتولى إدارة الصندوق والإشراف عليه مجلس يمثل هيئة صنع القرار فيه ويتولى مسؤولية تحديد التوجه الاستراتيجي والحوكمة وطرائق التشغيل والسياسات والأطر وبرنامج العمل، بما في ذلك قرارات التمويل ذات الصلة.
سيقوم مجلس إدارة الصندوق بتلقي التوجيه من مؤتمر الأطراف ومؤتمر أطراف اتفاق باريس، بشأن سياساته وأولوياته البرنامجية ومعايير الأهلية؛ واتخاذ الإجراءات المناسبة استجابة للتوجيهات الواردة.
حددت اللجنة تشكيلًا متوازنًا وعادلًا لمجلس الصندوق يتألف من 26 عضواً، بينهم 12 عضواً من البلدان المتقدمة؛ و3 أعضاء من دول آسيا والمحيط الهادئ؛ و3 أعضاء من الدول الأفريقية؛ و3 أعضاء من دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي؛ وعضوان من الدول الجزرية الصغيرة النامية؛ وعضوان من أقل البلدان نموا؛ وعضو واحد من البلدان النامية غير المدرجة في المجموعات الإقليمية.
سيتم ترشيح أعضاء المجلس، بمن فيهم الأعضاء المناوبون في المجلس، الذين يتمتعون بالخبرة الفنية والمالية المناسبة في مجال الخسائر والأضرار والسياسات، من قبل المجموعات الإقليمية والدوائر المعنية، مع إيلاء الاعتبار الواجب للتوازن بين الجنسين.
كما سينتخب المجلس رئيسين مشاركين من بين أعضائه، أحدهما من أحد البلدان المتقدمة والآخر من أحد البلدان النامية، وسيعملان لمدة سنة واحدة.
ستؤخذ قرارات المجلس بتوافق الآراء، وإذا لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء، فستتخذ القرارات بأغلبية أربعة أخماس الأعضاء الحاضرين والمصوتين.
طلبت اللجنة من أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ البدء في الترتيبات اللازمة لعقد الاجتماع الأول لمجلس الصندوق في موعد لا يتجاوز 31 يناير/كانون الثاني 2024.
سيختار المجلس البلد المضيف له من خلال عملية مفتوحة وشفافة وتنافسية.
سيكون للصندوق أيضًا أمانة جديدة ومخصصة ومستقلة لخدمة المجلس وتكون مسؤولة أمامه، وسيرأسها مدير تنفيذي يتمتع بالخبرات والمهارات اللازمة، ويقوم المجلس باختياره.
في طريق العدالة المناخية: التقاضي بشأن تغير المناخ يزيد بأكثر من الضعف عالمياً
من يدفع؟ ومن يستفيد؟
وفق توصيات اللجنة، ستكون جميع البلدان النامية المعرضة بشكل خاص للآثار الضارة لتغير المناخ مؤهلة لتلقي الموارد من الصندوق.
كان هذا البند سببًا في انقسامات حادة أيضًا خلال الاجتماعات الماضية، عندما أرادت البلدان المتقدمة تخصيص الأموال “على أساس الضعف”، وليس للبلدان النامية بشكل عام، ما يجعل التمويل متاحًا فقط لأقل الدول نموًا والدول الجزرية الصغيرة، وهو ما عارضته الدول النامية.
خرجت الصياغة النهائية لهذا البند، توافقية لحد كبير لإرضاء الطرفين، فلم تتضمن شرط “الضعف” الذي أصرت عليه الدول المتقدمة في السابق، لكنها أيضًا أعطت أهمية تلقي الموارد للبلدان النامية التي تتعرض بشكل خاص لآثار تغير المناخ.
فيما يتعلق بالمساهمات في الصندوق، وهي نقطة خلافية أخرى، قالت اللجنة إن الصندوق يستطيع تلقي مساهمات من مجموعة واسعة من مصادر التمويل، بما في ذلك المنح والقروض الميسرة من المصادر العامة والخاصة والمبتكرة، حسب الاقتضاء.
فيما يخص مسؤوليات الدول المتقدمة عن تمويل الصندوق الجديد، حثت اللجنة الأطراف من البلدان المتقدمة والأطراف الأخرى على تقديم الدعم أو الاستمرار في تقديمه على أساس طوعي للأنشطة الرامية إلى معالجة الخسائر والأضرار.
كما دعت البلدان المتقدمة إلى تقديم مساهمات مالية لمواصلة أخذ زمام المبادرة لتوفير الموارد المالية لبدء تشغيل الصندوق.
تظهر الصياغة النهائية للتوصيات من قبل اللجنة أن البلدان المتقدمة ستشارك في تمويل الصندوق بشكل طوعي دون إلزام، وهو ما يتماشى مع مطالبات البلدان الغنية خلال الاجتماعات الماضية بألا يكون الدفع إلزامي.
كما قالت اللجنة إن موارد الصندوق ستجدد بشكل دوري كل أربع سنوات مع المحافظة على المرونة اللازمة لتلقي المدخلات المالية على أساس مستمر.
ترتيبات جديدة للتمويل
سيعد مجلس الصندوق استراتيجية طويلة الأجل لجمع الأموال وتعبئة الموارد وخطة للصندوق من أجل تعبئة موارد مالية جديدة وإضافية وكافية ويمكن التنبؤ بها من جميع مصادر التمويل.
وسيقدم صندوق الخسائر والأضرار التمويل في شكل منح وقروض بشروط تيسيرية للغاية، وغيرها من الأدوات والطرائق والمرافق المالية باستخدام، في جملة أمور، المحفزات والمؤشرات ذات الصلة بتأثير المناخ، والقدرة على تحمل الديون.
كما يجوز للصندوق نشر مجموعة من الأدوات المالية الإضافية التي تأخذ في الاعتبار القدرة على تحمل الديون كالمنح، والقروض الميسرة للغاية، والضمانات، والدعم المباشر للميزانية والتمويل القائم على السياسات، والأسهم، وآليات التأمين، وآليات تقاسم المخاطر، والتمويل المرتب مسبقا، البرامج القائمة على الأداء، وغيرها من المنتجات المالية حيثما كان ذلك مناسبا، لزيادة واستكمال الموارد الوطنية المقدمة لمعالجة الخسائر والأضرار.
ينبغي للصندوق أيضا أن يكون قادرا على تيسير المزج بين الأدوات المالية المختلفة لتحقيق الاستخدام الأمثل للتمويل العام، وخاصة لضمان تحقيق نتائج فعالة للفئات السكانية الضعيفة والنظم الإيكولوجية التي يعتمدون عليها.
كما أوصت اللجنة بالبدء في ترتيبات تمويل جديدة للاستجابة للخسائر والأضرار، التي تشمل توسيع نطاق ترتيبات التمويل الحالية أو تعزيزها.
ستركز ترتيبات التمويل الجديدة على توفير الموارد الجديدة والإضافية والمساعدة في حشدها مع استكمال المصادر والأموال والعمليات والمبادرات في إطار الاتفاقية واتفاق باريس وخارجهما.
جدير بالذكر بأن الدكتور سلطان الجابر، رحب بالاتفاق الذي توصلت إليه اللجنة بشأن صندوق الخسائر والأضرار، وأشار الدكتور سلطان الجابر في تصريح له إلى أن حياة مليارات من البشر وسُبل عيشهم المُهددة بسبب تداعيات تغير المناخ تعتمد على تنفيذ هذه التوصيات.
ردود الأفعال
قالت ليان شالاتيك، المدير المساعد، مؤسسة هاينريش بول، واشنطن: “هذا ليس صندوق الخسائر والأضرار الذي أردناه؛ وهذا ليس صندوق الخسائر والأضرار الذي تستحقه المجتمعات والأشخاص الضعفاء في البلدان النامية الذين يعانون بالفعل من الخسائر والأضرار المدمرة. فهو يفتقر إلى الالتزام القوي بحقوق الإنسان، ولا يقدم ضمانات كافية بأن المجتمعات المتضررة سوف تستفيد منه بشكل مباشر ويكون لها رأي في صنع القرار بشأن تمويله”.
وأضافت: “يفتقر الاتفاق الذي تم التوصل إليه إلى أي إشارة إلى الحجم، ويدفع توفير تمويل المناخ من الالتزام إلى الطوعية، مع إنكار البلدان المتقدمة لأي مسؤولية تاريخية والتهرب من الالتزامات، وتسوية الصندوق الجديد مؤسسيا مع البنك الدولي كمضيف، بدلا من تقديم فكر جديد، وهياكل جديدة من خلال صندوق مستقل”.
وتابعت: “لا يضمن ذلك العدالة المناخية، بل يؤكد على سياسة القوة المجردة التي تنتهجها الدول المتقدمة، بقيادة الولايات المتحدة. والآن يبدأ العمل الحقيقي للتأكد من أن هذا الصندوق ليس قوقعة فارغة ومليئة بالطموح ورأس المال”.
قال هارجيت سينغ، رئيس الاستراتيجية السياسية العالمية، شبكة العمل المناخي الدولية: “إنه يوم كئيب للعدالة المناخية، حيث تدير الدول الغنية ظهورها للمجتمعات الضعيفة، مما يسمح لأولئك الذين ساهموا بأقل قدر في أزمة المناخ بمعاناة أشد عواقبها خطورة”.
أضاف: “إحجام الدول الغنية عن الوفاء بمسؤولياتها المالية، على الرغم من التزاماتها التاريخية، قد كشف بشكل صارخ عن نواياها الحقيقية وعدم مبالاتها بمحنة العالم النامي”
وتابع: “لم تقم الدول الغنية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، بإجبار الدول النامية على قبول البنك الدولي كمضيف لصندوق الخسائر والأضرار فحسب، بل إنها تهربت أيضًا من واجبها في قيادة تقديم المساعدة المالية لتلك المجتمعات والبلدان التي هي في أمس الحاجة إلى الدعم. للتعافي من التأثيرات المتزايدة لتغير المناخ”.
استطرد: “إن المجموعة الحالية من التوصيات لتفعيل صندوق الخسائر والأضرار لا ترقى إلى مستوى تزويد المجتمعات الضعيفة بالضمانات الكافية بأن احتياجاتهم المالية للتعامل مع تأثيرات المناخ وإعادة بناء حياتهم سيتم تلبيتها.”.
قالت راشيل كليتوس، مديرة السياسات، برنامج المناخ والطاقة: “تعكس النتيجة النهائية استمرار الدول الأكثر ثراءً، بما في ذلك الولايات المتحدة، في التهرب من مسؤوليتها الأساسية في المساهمة في صندوق الخسائر والأضرار المناخية من أجل تواجه البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل هجمة مدمرة من التأثيرات المناخية الشديدة”.
أضافت: “كما دفعت الدول الغنية الدول النامية إلى قبول تسوية غير متوازنة لوضع صندوق الخسائر والأضرار في البنك الدولي، وهو مؤسسة تعتمد نموذج إقراض يحركه المانحون وبنية إدارية غير ديمقراطية تثير مخاوف جدية بشأن قدرتها على استضافة صندوق الخسائر والأضرار.”.