قبل عامين من الآن نجت الطفلة سالي وليد ذات السبعة أعوام، من موت محقق عندما تدفقت سيول الأمطار الناتجة عن على مساكن ذوي البشرة السوداء في حي دي لوكس وسط مدينة تعز (جنوب غرب اليمن).
في هذا الحي تعيش عشرات الأسر من ذوي البشرة السوداء، وتسكن في بيوت مصنوعة من الصفيح وألواح كرتونية وخيم وأخرى مبنية بالحجارة.
ويُطلق محليًا على هذه الفئة تسمية “المهمشين”، وهم أقلية يواجهون صعوبة شديدة في الحصول على الخدمات العامة، وتصفهم تقارير حقوقية بأنهم أشد الفئات فقرًا في البلاد.
تتذكر منى علي ما حدث مع حفيدتها سالي في تلك اليوم؛ إذ تقول “تفاجئنا بسيول مختلطة بمياه المجاري تتدفق نحو مساكننا وعندما قمت بتفقد أبنائي وأحفادي رأيت سالي عالقة في المياه فطلبت المساعدة لإنقاذها وفعلًا تم إنفاذها في اللحظات الأخيرة”.
وانعكست هذه الحادثة نفسيًا على سالي ما أدى لإصابتها بـ”صدمة نفسية” ولم تتمكن أسرتها من علاجها، بحسب منى.
في تجمع دي لوكس تعيش نحو “54 أسرة تعاني كثيرًا من تدفق السيول على منازلهم بسبب أنها تقع في مكان منخفض ولا يوجد جدران حماية لصد السيول كما أنه لا يوجد أي اهتمام من قبل السلطات لاتخاذ اجراءات لتصريف المياه القادمة من الأماكن المرتفعة”، كما يقول سامي عياش عاقل هذا التجمع، مضيفًا: “نحن أكثر فقرًا لم نستطيع أنشاء منازل إسمنتية فقمنا بعمل بيوت من الصفيح والأخشاب الصغيرة “.
تعيش أغلبية الأسر من هذه الفئة في تجمعات سكنية قريبة من مجرى مياه سيول الأمطار والصرف الصحي وفي مناطق نائية، ما جعلها عرضة لتغيرات المناخ لاسيما وأن مساكنهم تفتقد لأبسط مقومات السكن اللائق والحياة. وتنتشر في هذه التجمعات العديد من الأوبئة جراء المياه الراكدة والملوثة الناتجة عن سيول الأمطار والأمراض الجلدية بسبب حرارة الشمس.
وتقول عضو الاتحاد الوطني للتنمية الفئات الأشد فقرًا في تعز، الناشطة ريمان حميد أن “الطفيليات والأمراض الجلدية تعد أحد أبرز الأمراض المنتشرة في تلك التجمعات بسبب مجاري السيول”.
وتضيف أن “هذه الأمراض يصاحبها الشعور القلق وعدم الاستقرار وهذا قد يتطور إلى الإصابة بحالات نفسية والضغط وأمراض الربو وتلوث الكبد بسبب المياه الغير نظيفة”.
وتشير إلى أن “تغيير المناخ أدى إلى تضرر سكان هذه التجمعات بالعديد من الأضرار مثل ارتفاع حرارة الشمس وإصابتهم بالأمراض الجلدية والجفاف وتلوث مياه الشرب بسبب اختلاطها بالسيول والمجاري وسوء التغذية لدي الاطفال والنساء الحوامل”.
وضع صعب
مع حلول موسم الأمطار، يُصبح وضع ذوي البشرة السوداء “صعبًا”، إذ يفقدون مستلزماتهم الأساسية أو تتعرض “البطانيات وفرش النوم ولوازم المطبخ والغذاء للتلف” كما تروي ليبيا محمد.
وحول مواجهة ذلك توضح: “نجمع الأواني لتلقف المياه النازلة من سطح المسكن وننشف الأرض بقطع قماشية أما إذا هطل المطر ليلا نظل طيلة الليل بدون نوم نتواجه مع الماء داخل منازلنا ونذهب للمنازل المجاورة لكي نحصل على ملابس للأطفال والنساء”.
“يكونوا الناس ينظرون إلينا من المباني المجاورة أثناء تدفق السيول إلى بيوتنا منهم من يشفق علينا ومنهم لا” تضيف ليبيا.
وأدت حالة الطوارئ المناخية إلى تفاقم وضع ذوي البشرة السوداء والنازحين والمهاجرين في اليمن الذي يشهد صراعا منذ ثمانية أعوام. وتمثل السيول أكبر تهديد من بين الكوارث الطبيعية التي تجتاح البلاد سنويًا، حيث تهطل الأمطار على فترات متفرقة ولمدة قصيرة، لكن بكثافة عالية، مما يتسبب بسيول مفاجئة تحصد الأرواح وتخلف دمارًا في الأراضي الزراعية وغيرها من الممتلكات، بحسب دراسة لمركز صنعاء.
يقول آدم الحريبي وهو صحفي مهتم بقضايا المناخ والبيئة، إن “اليمن يأتي في مقدمة البلدان الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية في الوقت الذي يفتقد الإنسان اليمني أدنى مقومات التكيف مع تلك المتغيرات بفعل الحرب وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلد”.
ويضيف أن “مظاهر التغيرات المناخية تؤثر بشكل كبير على المهمشين والنازحين” لافتًا إلى أن تلك التأثيرات تتمثل في “ارتفاع درجة الحرارة وتغير أنماط الأمطار وتدهور الأمن المائي والغذائي بفعل الندرة والتلوث”.
ومن وجهة نظر الحريبي فإن “هذا التأثير يضاعف حالة الفقر والعوز التي تعيشها هذه الفئات وتردي المساكن التي يعيشون فيها والقريبة من مناطق مرور السيول وترسب المستنقعات”.
ويحتل اليمن المركز الثالث عالميًا، بعد الصومال وجنوب السودان، بين البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ والأقل استعدادا لمواجهة الصدمات، بحسب مؤشر مخاطر تغير المناخ “إنفورم” لعام 2022.
أنتجت هذه المادة ضمن مشروع “تقاطعات” الذي تنفذه مؤسسة نسيج للإعلام الاجتماعي بدعم من مركز الحوار العالمي (كايسيد).