تنتشر السلاحف في العديد من الشواطئ البحرية الجنوبية والشرقية لليمن وتتواجد مناطق تعشيشها في المحميات، أغلبها غير معلنة، الواقعة هناك، لاسيما بجزيرة سقطرى، حضرموت، المهرة ولحج.
يواجه هذا النوع من الأحياء البحرية وتحديات كبيرة تنذر بالانقراض، أبرزها تأثيرات تغير المناخ الملموسة في السنوات الأخيرة بالبلاد وتسببها بارتفاع درجة الحرارة التي تحدد نوع الجنس لدى السلاحف، إلى جانب الاصطياد البشري “الجائر” التي تتعرض له.
إقرأ المزيد:
“اليمن.. السلاحف البحرية على الحافَّة” ندوة رقمية
اختفاء الذكور
تشير الدراسات العلمية إلى أن مستوى درجة الحرارة في مناطق “تعشيش” السلاحف، وهي أماكن ترابية بجانب الشواطئ تضع فيها السلاحف بيضها، تحدد نوع الجنس لديها، إذ عند درجة حرارة أدنى من 27.7 درجة مئوية يكون المواليد ذكورًا، وعند درجة حرارة أقصى من 31 درجة مئوية تكون إناثًا.
في المحميات اليمنية يختفي ذكور السلاحف ويكون ظهورها نادرًا للغاية، فيما الإناث تنتشر بشكل كبير ولافت، بسبب ارتفاع درجة الحرارة بمستويات تفوق 31 درجة مئوية، كنتيجة للتغير المناخي التي تشهده البلاد في هذا الوقت.
في محمية “خور عُميرة” الواقعة بمحافظة لحج جنوب غربي اليمن، تميل السلاحف لإنتاج الإناث أكثر من الذكور بسبب ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن التغيرات المناخية. كما يقول أمين جمعية الحفاظ على البيئة البحرية وحماية السلاحف بلحج، فتحي سويد.
سويد يؤكد بأن مقابل الانتشار الكبير لإناث السلاحف في محمية خور عُميرة، هناك ظهور ضعيف للغاية للذكور، ما يجعله على يقين بأن “درجة الحرارة التي وصلت إلى 31 درجة مئوية قد أثرت على جنس الإنتاج لدى السلاحف”.
ويتواجد في المحمية، كما هو الحال في سقطرى وحضرموت والمهرة أقصى شرق اليمن، أربعة أنواع مهددة بالانقراض من السلاحف البحرية وهي: سلاحف كبيرة الرأس، وخضراء، وزيتونة، وصقرية المنقار، بينما هناك أنواع أخرى بأعداد قليلة كالسلاحف جلدية الظهر.
مواسم “حارة”
يتكرر واقع محمية “خور عُميرة” من حيث زيادة إناث السلاحف على حساب الذكور، في محميات “شرمة” و”جثمون” و”ضرغم”، بمحافظة حضرموت.
الأستاذ المساعد بكلية العلوم البيئية والأحياء البحرية بجامعة حضرموت، الدكتور عبدالباسط الغرابي، يقول إن جميع السلاحف التي تلاحظ في سواحل تلك المحميات خصوصًا شرمة إناثًا، لدرجة بات ظهور الذكور هناك من الأمور النادرة.
في حديثه لأصوات خضراء، أعاد الغرابي سبب الظاهرة هذه إلى التغيرات المناخية. “ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى فقس البيض بفترة وجيزة لكن حصيلة الإنتاج يكون غالبًا إناث، خاصةً إن تجاوزت درجة الحرارة حاجز 31 درجة مئوية”.
ويشير إلى أن السلاحف يكثر نزولها إلى المحميات خلال فصلي الصيف والخريف، أي من شهر يونيو إلى إكتوبر خلال العام، للتعشيش ووضع البيض، وفي هذا الوقت تكون درجة الحرارة مرتفعة تصل إلى أكثر من 35 درجة مئوية، الأمر الذي يجعل مواليد السلاحف إناثًا.
ويوضح الغرابي بأنه في تلك الفصول خلال الأعوام الماضية لاحظ انتشارًا كبيرًا للسلاحف في محميات شرمة وجثمون تصل إلى أكثر من 100 سلحفاة، بينما في فصل الشتاء ظهرت 5 سلاحف فقط، وهو الفصل الذي يكون المناخ فيه ملائمًا هناك لإنتاج الذكور؛ لأن درجة حرارته تصل إلى ما دون 20 درجة مئوية.
احتباس حراري
شهدت البلاد ارتفاعًا كبيرًا في درجات الحرارة في السنوات الأخيرة، نتيجةً للتغيرات المناخية وزيادة الانبعاثات الغازية الدفيئة، إذ تشير بيانات حديثة لصندوق النقد الدولي (IMF) خاصة بمراقبة التغيرات المناخية، إلى أن تصاعد انبعاث غازات الاحتباس الحراري تسبب في ارتفاع درجات الحرارة.
وبحسب تلك البيانات، فإن انبعاثات غازات الدفيئة ارتفعت خلال الثلاثين السنة الماضية من 17,36 مليون طن إلى 31,14 مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسد الكربون.
وتعاني اليمن في الوقت الحالي ارتفاعًا في درجات الحرارة أكبر من المتوسط، بسبب زيادة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، ومن السيناريوهات المتوقعة الواردة في تقرير البلاغ الوطني الثالث إلى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية 2018 قد تشهد البلاد فترات جفاف وحر أطول خلال السنوات القادمة، ترتفع فيها درجة الحرارة من 2 إلى 4.5 درجة مئوية.
ارتفاع درجات الحرارة بتلك المستويات التي تشهدها البلاد حاليًا والمؤشرات التوقعات مستقبلاً، تدق ناقوس الخطر على حياة السلاحف في اليمن، وتلاشي مواليد الذكور منها يقفز بها إلى دائرة الانقراض، وموت نسل أحد أنواع الأحياء البحرية النادرة.
وبحسب دراسة بريطانية، فإن التغيرات المناخية التي تشهدها مناطق عديدة في العالم، أدت إلى حدوث تغييرات كبيرة في جنس أنواع السلاحف، مُرجحةً أنه بحلول عام 2100 قد تصل نسبة المواليد بين السلاحف إلى 93% من الإناث، مقابل 7% من الذكور.
“محميات” غير محمية
تطال عملية الاصطياد “الجائر” السلاحف في المحميات اليمنية، بشكل لافت في الآونة الأخيرة، من قبل صيادين يتخذون منها تجارةً رابحة، في ظل إهمال السلطات الحكومية وتغاضيها عن توفير الحماية لها، والاهتمام بتلك المحميات.
وفي هذا الجانب، يقول الدكتور الغرابي، إن محمية شرمة في حضرموت تعاني من العبث الحاصل واصطياد السلاحف وأخذ لحومها وبيعها في المطاعم، إضافةً إلى تعرضها للافتراس من الكلاب الضالة والسرطانات المتواجدة بشكل كبير على الشواطئ.
ويؤكد الغرابي على أن المحمية بحاجة إلى تشكيل إدارة وفريق من الباحثين والمتخصصين والأمنيين لحماية السلاحف وبناء أحواض ترابية للعناية بالسلاحف الفاقسة ومساعدتها للوصول إلى البحر في موسم التعشيش، قبل أن تتعرض للافتراس أو الاصطياد.
وفي محمية “خور عُميرة”، يشير سويد إلى أن السلاحف هناك تتعرص للاصطياد أيضًا، وبأنه جرى توثيق اصطياد 364 سلحفاة بحرية خلال الثلاثة الأشهر الأخيرة فقط من العام الماضي 2022.
وتتواصل الانتهاكات التي تمارس على السلاحف في البلاد على الرغم من أن اليمن مصادقة على اتفاقية التجارة العالمية “اتفاقية سايتس CITES” الخاصة بحماية الحيوانات المهددة بالانقراض وكانت السلاحف مُدرجة من ضمن تلك الحيوانات والأحياء البحرية.