يوميًا، تقطع سُعاد محمد، 38 عامًا، مسافة ساعتين مشيًا على الأقدام بدءًا من قرية الجبالي الواقعة بمنطقة الضباب، غرب مدينة تعز اليمنية، متجهة إلى القرى المجاورة، لتتنقل بين الآبار بهدف الحصول على مياه صالحة للشرب.
“مهنة إجبارية، ومهمة شاقة” تصف سُعاد رحلة البحث عن المياه التي اعتادت عليها هي ونسوة القرية بشكل يومي منذ سنوات.
وتعاني المجتمعات الريفية في اليمن من ندرة المياه وتعتمد بشكل كبير المياه الجوفية ومياه الأمطار الموسمية.
في الأرياف يعد الحصول على المياه الصالحة للشرب عملًا روتينيًا يبدأ مع بزوغ فجر كل صباح ومع غروب الشمس، وفي الغالب تقع المسؤولية عن جلبه على كاهل النساء والأطفال. وهذه المشكلة تزداد سوءًا مع تغير المناخ الذي يؤدي إلى اشتداد شح سقوط الأمطار وعدم انتظامها.
تقول سُعاد وهي أم لخمسة أطفال “المعاناة هي أن تجتاز يوميا مسافات طويلة، حاملة وعاء مياه بسعة 20 لترًا فوق رأسها لتوفير مياه الشرب النظيفة للحفاظ على نظافة عائلاتها وتغذيتهم”.
يعد اليمن واحدًا من أكثر البلدان معاناة من شح المياه في العالم، وأصبح الحصول على هذا المورد أكثر صعوبة في ظل الصراع الدائر منذ ثمانية أعوام.
تبدو رحلة البحث الدائم عن المياه بالنسبة لسُعاد وغيرها من نساء الريف في اليمن “وظيفة يومية ومغامرة خطرة” نظرًا لصعوبة التضاريس ووعورة الطرق.
هذه المهمة الشقة انعكست سلبًا على صحة سُعاد؛ إذ تعاني من ألم مستمر في الظهر، تبين مؤخرًا أنها تعاني ضغطًا في فقرات عمودها الفقري.
ويعيش اليمن أزمة خانقة في توفير المياه تفاقمت خلال سنوات الحرب.
بحسب تقديرات أممية فإن ما يزيد عن 2.7 مليون شخصًا في اليمن –4.6 مليون امرأة– بحاجة ماسة إلى أحد أشكال المساعدات الغذاء، الماء، الصحة، المأوى وغيرها؛ يشمل ذلك 4 ملايين امرأة نازحة داخليًا يواجهن مخاطر يومية بحثًا عن الأمان والمأوى، ويواجهن المزيد من الصعوبات والحرمان من أساسيات الحياة.
ويرتبط 22% من سكان الريف و46% من سكان المدينة في اليمن بشبكات المياه العامة التي تعمل جزئيا في حين لا تغطي شبكة أنابيب المياه إلا 30% من السكان.
أكثر من 15 مليون يمني يلجؤون إلى طرق مكلِّفة ومستهلكة للوقت في سبيل الحصول على ما يكفيهم من المياه، وفق تقارير أممية .
وتسببت أزمة المياه في اليمن بحرمان “مئات الفتيات الريفيات من التعليم، نظرًا لانشغالهن بالبحث عن الآبار، والتفرغ لتوفير المياه”، كما تقول الصحفية هناء جمال.
وتشير في سياق حديثها لمنصة “أصوات خضراء” إلى كثيرة هي الوقائع التي تسببت بوفاة عشرات النساء الريفيات غرقًا في السدود والحواجز المائية، وسقوطًا في الآبار.
تغيرات المناخ
وزاد تغيّر المناخ الذي يعد أحد أسباب استنزاف طبقات المياه الجوفية، من مشقة المرأة الريفية في اليمن التي تعتمد بشكل شبه كامل على الموارد الطبيعية والزراعية لكسب العيش والبقاء على قيد الحياة.
وتعتمد المجتمعات الريفية بشكل كبير على المرأة في الزراعة وتربية المواشي والاحتطاب، وغيرها من الأعمال المتأثرة بتغيرات المناخ.
وألحقت التغيرات المناخية أضرار مباشرة بالنساء الريفيات خصوصا اللاتي يعتمدن بشكل رئيس على الزراعة وتربية المواشي لتوفير مصدر دخل لأسرتها كما هو الحال مع الخمسينية كاتبة.
تقول إنها “لم تعد قادرة على تحمل تكاليف الحياة اليومية، خصوصًا بعدما فقدت عملها في الزراعة بسبب قلة الأمطار”.
التفاوت في نسبة هطول الأمطار الموسمية في مختلف المدن اليمنية، -نتيجة تغير المناخ- تؤدي عادة إلى انجراف التربة والتدهور البيئي، مما يتسبب بفقدان التربة السطحية الخصبة، وهذا يؤثر بشكل مباشر على مصدر الدخل الرئيسي لليمنيين الريفيين الذين يمثلون 70% من سكان البلد عددهم 30 مليون نسمة، وفق بيانات أممية.
ومع اشتداد موجة الجفاف في السنوات الأخيرة تراجع الإنتاج الزراعي حيث أن “كثير من ملاك الأراضي هجروا أراضيهم بحثًا عن فرصة عمل غير الزراعة”، كما تضيف كاتبة لمنصة “أصوات خضراء”.
ويشير تقرير لمنظمة العمل الدولية إلى خسارة 293 ألف امرأة عاملة في مجال الزراعة وتربية الحيوانات ومنتجات الألبان في وقت تسببت الحرب الدائرة في البلد بانخفاض العمالة إلى 28%.
وسط أزمة المياه، وانخفاض نسبة المساحات الخضراء، وهجرة الكثيرين إلى المناطق الحضرية، وحدها المرأة الريفية تبقى في بحث دائم عن المياه، وسط تعدد الأخطار المناخية، لذا تصنف تقارير أممية نساء أرياف اليمن بالأكثر تضررًا من تغير المناخ.