بعد سبع سنوات من تواصل الصراع المسلح، باتت المجتمعات الريفية في اليمن أكثر اعتماداً على النساء وعلى مثابرتهن وعزيمتهن وقدرتهن على الصمود في ظل هذه الظروف. وأصبحت النساء في كثير من الأحيان العائل الوحيد للأسرة الآن في ضوء انخفاض مستويات الأجور في سوق العمل وتقلص فرص العمل.
تقول “ياسمين سعيد” من قرية “بئر عامر” بمحافظة لحج الواقعة جنوبي اليمن: “نشأتُ وتربيتُ على أهمية العمل في المزرعة التي لطالما كانت مصدر الرزق للأسرة. ونحن نزرع في مزرعتنا البصل والبامية والجرجير والملوخية؛ والنقود التي نجنيها من بيع المحاصيل تغطي احتياجاتنا الأساسية.” وعلى الرغم من أن “ياسمين” تواجه العديد من التحديات التي تتضمن خطر التعرض للإصابة أثناء جلب المياه أو حصاد المحاصيل، فإن ذلك يظل أقل خطورة من البديل المقابل، ألا وهو فقدان الأمن الغذائي والاستقرار، ذلك المشهد القاتم هو ما تواجهه النساء عادة في المناطق الريفية اليمنية.
يشكل القمح والأرز الغذاء الرئيسي في البلاد، لكن اليمن لا يُنتَج إلا القليل جداً منهما. وفي عام 2016، أي بعد عام واحد من نشوب الصراع، انخفضت مساحة الأراضي المزروعة بمعدل 38%، مما فاقم مشكلة النقص الحاد للغذاء. وقد أظهرت أبحاث البنك الدولي حول التكيف مع المناخ، أن ما يقرب من ثلثي اليمنيين لا يزالون يعتمدون على الزراعة لتلبية احتياجات معيشتهم الأساسية، ويعيش أكثر من 75% في المناطق الريفية، حيث تمثل النساء نحو 95% من القوى العاملة.
تلعب النساء في هذه المجتمعات الريفية دوراً محورياً لا يقتصر على الأمن الغذائي فحسب، بل يمتد ليشمل إدارة الأراضي والتخفيف من تأثير تغير المناخ على المياه الشحيحة بالفعل. وعلى الرغم من الضغوط الاجتماعية المفروضة على النساء، علاوة على تحملهن لعبء جميع الأعمال المنزلية، ووطأة الجائحة العالمية، فإن النساء اليمنيات تابعن مسيرتهن في العمل بالأرض.
كانت “ياسمين” واحدة من سبع نساء تحدثنا معهن لمعرفة كيفية استخدام المساعدة المقدمة من المؤسسة الدولية للتنمية والاستفادة منها في مساعدة المزارعات على استغلال المياه من قنوات الري وطريقة الري بالغمر (التي يتم من خلالها تحويل المياه من المجاري المائية بالغمر الكامل)، بالإضافة إلى ترشيد استهلاك المياه وأساليب الإدارة المتكاملة لمستجمعات المياه. ويمول البنك الدولي المشروع الطارئ للاستجابة للأزمات في اليمن من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن واثنتين من المؤسسات الوطنية الرئيسية، وهما “الصندوق الاجتماعي للتنمية” و”مشروع الأشغال العامة”. ولكليهما خططٌ مستقبلية طموحة.
التكيف مع التغير المناخي مفتاح تحقيق الأمن الغذائي
تعتني “كاتبة صياد”، البالغة من العمر 60 عاماً، بأولادها الاثني عشر، وبزراعتها، شأنها في ذلك شأن الكثير من النساء في مجتمعها. تقول “كاتبة”: “الزراعة ورعي المواشي هما مصدر دخلنا الرئيسي، لا سيما مع تراجع الأجور الذي تسبب فيه الصراع الدائر في البلاد.” تزرع “كاتبة” الذرة والقمح والشعير والصقلة، وهي نوع من الشعير. وتقول: “ولكن الأمطار تتأخر، وعندما تهطل، تكون غير كافية، فتنخفض غلة المحاصيل. وقد مضى الموسم الزراعي دون أن أجني أي محصول.”
تقول “كاتبة” إن تغير المناخ قد أثّر على الموسم الزراعي حيث تعيش بقرية “قهال” في مديرية “عيال سريح” بمحافظة عمران شمالي اليمن. وقد تسبب هذا بدوره في المزيد من الصعوبات لعائلتها.
كان عملها الشاق والجاد وتفانيها في رعاية أرضها وعائلتها يؤتي ثماره فيما سبق، حيث تمكنت من التغلب على العديد من التحديات وتحقيق دخل مستقر لأسرتها. تتابع “كاتبة” قائلة: “أنا فخورة بنفسي. فقد كافحتُ من أجل أرضي ومنزلي وتعليم أطفالي، وعملت بكل جد واجتهاد لإعالتهم حتى تخرجهم من الجامعة. وعندما أنظر إلى ما حققته حتى الآن، أشعر بكل الرضا والسعادة.
تعيش “رولا عبد الله”، وهي أرملة وأم لأربعة أطفال، في “الربيصة” بمديرية الشمايتين في محافظة تعز جنوب غربي اليمن، وهي العائلة الوحيدة لأسرتها. تقول “رولا”: “أعمل في مجال الزراعة منذ أكثر من 13 عاماً، وهي مصدر دخلنا الوحيد. وأنا أزرع الطماطم والخيار والفلفل الحار والمحاصيل الأخرى.”
كان للظروف الجوية القاسية، التي يعزوها العديد من العلماء إلى زيادة وتيرة تغير المناخ، تأثيرٌ مدمرٌ على مزرعتها، مما عرّض سبل عيش أسرتها للخطر. تقول “رولا”: “لقد ألحقت الأمطار الغزيرة والرياح القوية والعواصف الرعدية أضراراً بالغة بمزرعتي، كما سببّت الآفات والحشرات الزراعية أضراراً بالمحاصيل. وفي إحدى السنوات، خسرتُ نصف محصولي بسبب تغير المناخ.”
استطاعت “رولا” بمساعدة خدمات الإرشاد المتخصصة إعادة تأهيل أرضها، واستأنفت عملها فيها. تقول “رولا”: “لدي الآن قماش مشمع، ونسيج شبكي لحماية المحاصيل، ومولد كهربائي، وشبكة ري بالتنقيط.” وقد ساعد هذا الدعم الإضافي على تحسين غلة المحاصيل ومستوى الدخل.
كان التدريب على أساليب الزراعة من بين الإرشادات التي تلقتها “رولا” حول كيفية تحسين أرضها، وتقول إنها تعلمت “العناية بالأشجار، وطرق التسميد، واستخدام مبيدات الآفات، وأوقات الرش. وقد ساعدني هذا الدعم في زيادة إنتاج محاصيلي الزراعية عموماً.”
وهكذا، لن نكون قد بالغنا أبداً مهما تكلمنا عن مساهمة النساء الريفيات في الزراعة والدخل والأمن الغذائي. فها هي “إقبال الجبيري”، البالغة من العمر 26 عاماً، تعيش مع أسرتها (المكونة من ستة أفراد) في قرية “بئر عامر” بمديرية تُبن بمحافظة لحج جنوبي اليمن، شأنها في ذلك شأن “ياسمين سعيد”، المزارعة الأولى. تستيقظ “إقبال” مع أول شعاع نور لتستعد ليومها الطويل.
تقول “إقبال” “ساعدتني الزراعة على تحسين ظروف عائلتي المعيشية، وبالإضافة إلى الزراعة وتربية الحيوانات، فإنني أخيط الملابس للنساء، وأصنع الحنة لبيعها، مما يساعدني على بناء حياة أفضل لي ولعائلتي.”
غير أن هذا العمل الشاق يؤثر سلباً على النساء الريفيات ويعرض صحتهن للخطر. تقول “إقبال”: “علينا – نحن النساء – أن نقطع مسافة طويلة لجلب المياه، وهي مهمة شاقة تُصّعب الحياة اليومية، وتعرضنا للخطر.” ثم تشير إلى امرأة حامل سقطت على الأرض وهي في طريقها لجلب المياه، ثم تتابع قائلة: “لقد أجهضت وفقدت جنينها.”
ومع ذلك، لا تزال “إقبال” تتمتع بروح إيجابية. فتقول: “على الرغم من كل ما أمر به، أشعر أنني امرأة قوية لأني تحملت مسؤولية كبيرة: فقد نجحت في عملي، وأسست لعائلتي حياة مستدامة.”
نقلًا عن البنك الدولي